الطيب -[[ الإدارة ]]-
![-[[ الإدارة ]]- -[[ الإدارة ]]-](https://mgl.skyrock.net/art/SHAR.6252.585.2.gif)

تاريخ التسجيل : 04/06/2020 المساهمات : 585 نقاط : 6541
 | موضوع: حقيقة الأنس بالله تعالى السبت 25 يوليو 2020, 10:30 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السؤال: ما معنى الأنس بالله ؟ وكيف أحققه ؟ فهل إذا جلست وقت السحر أو في غيره أناجي الله سبحانه وتعالى بدون رفع اليدين ، وأكلمه سبحانه بلغتي كما أتكلم مع الناس ، ولكن بخضوع وخشوع ، وأشكو له سبحانه همي وحزني ، حتى إني أكلمه ما فعلت في اليوم الذي مضى وهو أعلم ، فهل كل هذا جائز ، وهل هذا هو الأنس ؟ الجواب : الحمد لله قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ومن علامات صحة القلب : أن لا يفتر عن ذكر ربه ، ولا يسأم من خدمته ، ولا يأنس بغيره ، إلا بمن يدله عليه ، ويذكِّرُهُ به ، ويذاكره بهذا الأمر" انتهى من " إغاثة اللهفان " ( ص 72 ) . فالأنس بالله تعالى حالة وجدانية تحمل على التنعم بعبادة الرحمن ، والشوق إلى لقاء ذي الجلال والإكرام . قال أحد السلف : " مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قيل : وما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، والتنعم بذكره وطاعته ". انتهى من " إحسان سلوك العبد المملوك إلى ملك الملوك " لعبد الكريم الحميد (1/168) . وكما أنه لا نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه الأعلى سبحانه ، فلا نسبة لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه والأنس به ، بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ومحبتهم له ، فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة ، فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له كان التذاذه بقربه ورؤيته ووصوله إليه وأنسه به أعظم . فالأنس بالله مقام عظيم من مقامات الإحسان الذي قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) . أخرجه البخاري (50) ، ومسلم (5) . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعليقا على الحديث والأثر : " فهذان مقامان : أحدهما : الإخلاص ، وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه . الثاني : أن يعمل العبد على مشاهدة الله بقلبه ، وهو أن يتنور قلبه بنور الإيمان" . انتهى من " استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس". يشير ابن رجب رحمه الله بكلامه هذا إلى منزلة المراقبة ، ومقام المشاهدة أو المعاينة كما يسميه بعض أهل العلم . فـ" المشاهدة " ناتجة عن معاينة آثار أسمائه وصفاته تعالى في الكون ، بحيث يترتب عن ذلك تنور القلب وتعلقه بالرب ، وهذه المنزلة هي التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام : ( أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ) فهي رؤية حُكْمية . أما " المراقبة " فهي العلم واليقين باطلاع الحق سبحانه على ظاهر العبد وباطنه ، وهي التي قال فيها عليه الصلاة والسلام : ( فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله بعد كلامه السابق : " يتولد عن هذين المقامين : الأنس بالله ، والخلوة لمناجاته وذكره ، واستثقال ما يشغل عنه من مخالطة الناس والاشتغال بهم " . انتهى من " استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس " فمنزلة المراقبة إذا تحققت في العبد حصل له الأنس بالله تعالى . ووجه ذلك أنه إذا حصلت المراقبة يحصل القرب من الرب سبحانه ، والقرب منه جل وعلا يوجب الأنس . قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " والقرب يوجب الأنس والهيبة والمحبة " . انتهى من " مدارج السالكين "(2/382) . ويقول كذلك رحمه الله :" وقوة الأنس وضعفه على حسب قوة القرب ، فكلما كان القلب من ربه أقرب كان أنسه به أقوى ، وكلما كان منه أبعد كانت الوحشة بينه وبين ربه أشد " . انتهى من " مدارج السالكين " (3 / 95) . وإذا ارتقى العبد إلى تحقيق مقام المشاهدة والمعاينة لآثار أسمائه وصفاته في الكون بحيث يتنور قلبه حصل الأنس ، ووجهه أن منشأ الأنس بالله تعالى ومبدؤه التعبد بمقتضى أسمائه تعالى وصفاته بعد التفهم لمعانيها . قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" هذا الأنس المذكور مبدؤه الكشف عن أسماء الصفات التي يحصل عنها الأنس ويتعلق بها ، كاسم الجميل ، والبر ، واللطيف ، والودود ، والحليم ، والرحيم ، ونحوها " انتهى من " مدارج السالكين " (2/419) . وزيادة في الإيضاح نقول : أن التفهم لمعاني الأسماء والصفات يحمل العبد على معاملة ربه بالمحبة والرجاء وغيرهما من أعمال القلوب . قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله :" فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من : الخوف ، والرجاء ، والمهابة ، والمحبة ، والتوكل ، وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات " . انتهى من " شجرة المعارف والأحوال " . والعبد إذا ارتقى بالعلم النافع والعمل الصالح إلى مقام الإحسان واستقرت قدمه فيه أنس بالله تعالى والتذ بطاعته وذكره . قال العلامة السعدي رحمه الله ، مقررا ذلك في منظومته ، واصفا أهل السير إلى الله والدار الآخرة : " عبدوا الإله على اعتقاد حضوره **** فتبوؤوا في منزل الإحسان " . ثم قال شارحا رحمه الله :" وهذه المنزلة من أعظم المنازل وأجلها ، ولكنها تحتاج إلى تدريج للنفوس شيئا فشيئا ، ولا يزال العبد يعودها نفسه حتى تنجذب إليها وتعتادها ، فيعيش العبد قرير العين بربه ، فرحا مسرورا بقربه " . ولذا فإن الأنس بالله تعالى ثمرة الطاعات والتقرب إلى رب الأرض والسماوات ، كما قال ابن القيم رحمه الله : " فكل طائع مستأنس ، وكل عاص مستوحش" . انتهى من " مدارج السالكين " (2/406 ) . قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :" إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة ؛ لأن المخالفة توجب الوحشة ، والموافقة مبسطة المستأنسين ، فيا لذة عيش المستأنسين ، ويا خسارة المستوحشين " انتهى من " صيد الخاطر " (ص 213 ) . قيل للعابد الرباني وهيب بن الورد رحمه الله : " هل يجد طعم العبادة من يعصيه ؟ قال : لا ، ولا من يهم بالمعصية " . وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول :" من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية " . انتهى ولأجل ذلك كان السلف الصالح الكرام ، والأئمة الأعلام يتشوقون إلى فعل الطاعات ، ويحرصون على تقديم القربات لرب الأرض والسماوات ، ولا يسأمون من العبادات لأنسهم برب البريات . قال الوليد بن مسلم : " رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس " . وهذا أبو عائشة الإمام التابعي مسروق بن الأجدع كان يصلي حتى تتورم قدماه ، قالت زوجته : " فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه ، ولما حضرته الوفاة قال : ما آسى على شيء إلا على السجود لله تعالى " . فاحرص على بلوغ منزلة الإحسان وفق العلم الأثري والهدي النبوي حتى ترزق الأنس عند الطاعات ، ولا تستوحش إذا خلوت بذكر رب الأرض والسماوات ، فليس العجب ممن لم يأنس بالله ولم يرزق التوفيق ، وإنما العجب ممن أدرك ذلك وانحرف عنه إلى بنيات الطريق " انتهى جميع المادة السابقة منقولة باختصار يسير من كتاب " فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب " للشيخ محمد نصر الدين عويضة. والله أعلم. موقع الإسلام سؤال وجواب | |
|